نعرض لكم مقالا كتبه المدون والصحافي المصري وائل عباس في رمضان الماضي في موقع هنا صوتك، يتناول فيه موضوع الدعاة الإسلاميين الجدد وأسلوبهم، ويستعرض الخلل في منهجهم من خلال نقد مفصل لبرنامج “خواطر” ومقدمه أحمد الشقيري:
استكمالا لسلسلة مقالات كتبتها منذ عشر سنوات مثل: “عمرو خالد ومجلة ميكي“، “الفرق بين عمرو خالد وعمرو دياب”، “زغلول النجار يستكرد أمة المليار”، ولو إني كنت قررت أبعد عن المواضيع دي وأخليني في السياسة فقط، أعود إليكم بمقال جديد عن دعاة الميديا الجدد. هذه المرة الجيل الثالث منهم لأن الجيل الأول تزامن مع ظهور المحمول، لذا يمكن اعتبار هؤلاء بمثابة الجيل الثالث. ولهذا وضعت عنوان للمقال: “دعاة ثري جي”. ويجب الرجوع لتلك المقالات السابقة لتكتمل الصورة، فهذا المقال وحده لا يكفي.
في الآونة الأخيرة، بدأت تصلني أسئلة كثيرة، خصوصا على حسابي على “آسك إف إم”، عن شخص ما يدعى الشقيري، لم أسمع به من قبل، ولم أهتم، لكن زيادة الأسئلة أثارت اهتمامي، فالبعض قدمه لي كداعية متنور وتقدمي وحداثوي. قاومت حب الاستطلاع ثم استطلعت، ويا ليتني ما استطلعت.
موبقات الغرب
كانت الحلقة عن موبقات الغرب مليئة بالمغالطات التاريخية والعلمية، ومليئة بالتعالي. واتضح لي أن منهج هذا الرجل منهج خرب تبسيطي وانتقائي ومتعال أبوي، وليس بالمنهج العلمي بالمرة. بل هو منهج تصيّدي، فتارة يتحدث عن مدينة إيطالية ضربها بركان لأنهم كانوا يمارسون “الشذوذ”، رغم أنه لا سند علمي ولا تاريخي لهذا الهذيان، وعن حالات الانتحار في سان فرانسيسكو بين “الشواذ”، لأنهم ببساطة “شواذ”، وعن قصر ملابس المرأة الغربية وعدم احتشامها … إلخ. هل ترضى أن يأتي برنامج أمريكي يتجول في الرياض ويسخر من ملابس النساء؟
الحقيقة المؤكدة هي أن الظلم والنهب والسرقة وقلة الضمير والجشع والاستغلال والجور على الضعيف والغش في المصنوعات والمصنعية ووساخة وتلوث المأكولات وتصنيعها هي مشاكل المسلمين وليس الجنس و”الشذوذ”، ودي كلها موضوعات ما بيتكلمش فيها الدعاة خوفا على السبوبة التي يتحكم فيها الحاكم الظالم اللي بيقتل ويعذب ويعتقل، ورجل الأعمال المستغل، اللي هو في الأصل صاحب مصنع الغسالات والتلاجات اللي بتخرب ومصنع البطاطس وأغذية الأطفال اللي فيها صراصير.
لماذا لم يطرح إشكالية العقوبات في الإسلام عندما تحدث عن السجون الأوروبية ونظافتها وجمالها؟ هل يجرؤ أن ينتقد الجلد وقطع الأعضاء وجدع الأنوف وفقء العيون رغم أن عمر بن الخطاب جرُأ وأوقفها؟ تحدث عن المثليين وانتحارهم في الغرب، وفي المقابل ماذا يقدم منهجه للمثليين؟ الجلد والصلب والحبس والقتل؟ لقد غيّر عثمان بن عفان ترتيب سور القرآن وغيّر الصحابة من التقويم الهجري بعد وفاة الرسول، ولم يجرؤ أحد على مناقشة ذلك إلى يومنا هذا! أليس في هذا خلل كبير؟
الشيخ حسني
منهج الشقيري وأمثاله يذكرني بمنهج الشيخ حسني في فيلم الكيت كات، عندما كان يصف وقوع الحشيش من جيب سيالة الهرم تاجر المخدرات، وهو يهرب من بيت فتحية : “شايفين يا ولاد الغرب متقدم ازاي، رغم انهم كفرة ولاد كلب! مش إحنا كنا أولى بالترالاملام ده علشان احنا مسلمين؟!” فاستعراض تقدم الغرب في برنامجه هو في ضوء أن المسلمين أولى بذلك، وده مرفوض بالنسبة لي، لأنه طائفي وعنصري في طرحه أصلا، فالله يقيم دولة العدل ولو كانت كافرة، ويهدم دولة الظلم ولو كانت مسلمة.
الخلاصة، وما اتضح لي من ردود المدافعين عن الشقيري أن منهجه ومنهج غيره، كداعية المانيكان، ومعز مسعود اللي قعد يهبل في نظرية داروين العام الماضي، لا يصب إلا في مصلحة التطرف والطائفية، وكل العيوب التي نشكو منها في منطقتنا.
وأنا لم أجلد أو أصلب الشقيري، لكن لا شك مما وصلني من ردود أن متابعيه لن يتورعوا عن إقامة تشكيلة مفتخرة من الحدود على العبد لله، لو تركت الأمور لهم.
وبعد نشر المقال بفترة بسيطة، قال وائل عباس أنه تلقى مكالمة هاتفية من أحمد الشقيري، وأعرب المدون المصري عن تقديره لاتصال الشقيري وما أبداه من أدب وتواضع، وقال: “جميل ان يكون هناك اعلاميون لديهم هذه القدرة على تقبل الرأي الآخر، حتى إن كان مختلفا معهم جذريا، هؤلاء لا يعرفون حالة الكذب والمغالطة والعناد التي تميز أشخاصا يمكن ان يكونوا اكثر شهرة وخبرة في هذا المجال”. ونقل موقع هنا صوتك ما دار بينهم.